زمن المتاهات
تجولت وأفكاري ذات مساء في دروب مشوار أكاد اجزم انه انقضى منه ما انطوت صفحاته مرتحلا عن طفولته التي صحبته عبر سنين انطوت صفحاتها.......مشوار من الاستمرار .....ثم التوقف ....ثم الاستمرار من جديد.....لأجل المتابعة نحو الاستمرار وهكذا المسير.
تجولت فوجدت أن الزمان غيَر من تلك البدايات ....كانت الطفولة لا تعرف إلا أن الزمان سيستمر ....وان الطفولة مصيرها أن تواجه من اعتبرته عدوها الأول الذي لم تعرفه إلا عندما تحولت الأحلام البريئة التي لا تعرف لها حدود....لا حدود الزمان....ولا حدود المكان....ولا حتى حدود الانطلاق.....تحولت تلك الأحلام إلى مصير وواقع....لكن اختلفت الصور.....واختفت ملامحها وسط زحمة السنين .
استأنفت الطفولة مسيرتها والزمان لكن بمسمى جديد...أصبحت الطفولة واقع ....لكن ليس بتلك الصورة من قبل ...ولا حتى بنفس الروح....واقع امسك الزمان بيده في جولة جديدة وكأن البداية لم تكن في حياته ولا في داخل دائرة أفكاره....امسك الزمان بيد الطفولة التي لم تعد تجد لها مكاناَ بين مفردات ذلك الزمان .....ولا تعرف فيه إلا أنه ممسكُ بيدها رغما عنها ....لكن في طريق أيقنت انه مليءُ بالمتاهات .
أحياناً يضعها بين الأفراح والمسرات وتفرح بعودتها لبدايتها من جديد ......لكن سرعان ما يأخذ بيدها الأخرى:, لان اليد الأولى لازالت تمسك بأطراف بداياتها التي استبشرت خيراً فيها...يمسك بها ويضعها بين أزماتٍ لم تعتد وجودها ولم تلمح لها ومضاً بين دفاتر ذلك الزمان الماضي بها.....وأحياناً تجد نفسها في مكانها الأول....هنا تبصر الطفولة من جديد أن الزمان أصبح قدرها المألوف.....قدرها الذي لن تجد بديلاً عنه مهما حاولت من محاولات......
خيم الصمت عليها بعد أن منحها الزمان مهلةُ لتستريح فيها من عناء التجوال ...هنا صمتت وصمتت طويلاً ....فكرت ....واستسلمت لواقعها ...استسلمت لكن بتفكير النجاة لنفسها ....استشعرت معنى الإخاء.....معنى تجاذب الأرواح.....ثم قررت أن تمضي والزمان برفقةٍ وحنينٍ لماضيها ....وتفاؤلٍ لما سيأخذها الزمان إليه...ولو بعد حين.
عاد الزمان إليها ....لكن وجدها على حالٍ لم يعتد عليه منها.....وجدها بنظرة المتلهف ...وجدها بانتظار الرفيق لرفيقٍ طال غيابه .....عندها أدرك انه أصبح مرحبٌ بوجوده معها وأنها ألفت هذا الوجود .....وابتسم ضاحكاً وقال:
لقد طال انتظاري....لكن وجدتك كما قيل لي ....أن براءة الطفولة تبقى ولو بعد مشوارٍ طويل....تبقى الطيبة ....والبساطة.....وتكبر الطفولة.....لكن بصورةٍ أروع ....وتجربةٍ أقوى .....ونفسٍ طامحةٍ ......ترقى الأعالي.....وجدتك طفولة ثم طفولة...لكن بجسدٍ جديد لا يشبه الماضي ......والآن....امضي حيث زمان جديد....خطيه أنت بيديك ...واصنعيه بنفسك.....ورحل الزمان مبتسماً ومتفائلاً.
حزنت الطفولة قليلاً .....ولكن سرعان ما قررت أن زمانها قد انتهى ....وان كل واحدٍ من البشر (وأنا من بينهم وكذلك انتم ) سيأخذ اتجاهاً وطريقاً اختاره لنفسه...فمنهم من اختار الأمل........
ومنهم من اختار التشاؤم....
ومنهم من عودَ نفسه على المضي في الطريقين .......
ومنهم من استسلم للزمان.......يأخذه حيث يشاء.....
عندها أدركت أن الزمان لازال يمسك بيدها وسط متاهاتٍ اختلفت ثم تباعدت....... وجزمت داخل نفسها أن الطفولة لن تعود إلا والزمان برفقتها.............
jaafreh
[center][right]